عام 2019، دفعت جائحة “كورونا” المدارس لغلق أبوابها في أكثر من 160 بلدا. وفقد على ما يقلّ عن 40 مليون طفل فرصة التعلّم الحضوريّ، ليجد العالم نفسه في مواجهة كارثة صحيّة تمسّ جيلا كاملا وتهدر من الإمكانيات البشريّة حيث وصفتها منظمة الأمم المتحدة “كارثة تقوّض عقودا من التقدّم، وتزيد من حدّة اللامساواة المترسخة الجذور.” وللحدّ من هذه الكارثة، انتقلت المدارس من التعلّم الحضوريّ إلى التعلّم عن بعد أو التعلّم الإلكترونيّ، وكان لبنان ضمن هذه البلدان رغم بعض العوائق منها ضعف شبكة الإنترنت، وعدم توفّر الكهرباء بشكل متواصل. فأصبحت نفسيّة التلاميذ مخضوضة بين الراحة والجهد بالرغم من إجراءات المدارس للتخفيف عنهم مثل تقليل ساعات الدراسة وتسهيل وتخفيف المناهج التعليميّة. وبعدها في شهر أيلول الماضي، أعلن وزير التربية اللبنانية السابق طارق المجذوب عودة التعلّم الحضوريّ مع إتّباع إرشادات الوقاية من فيروس كورونا. كيف هي الحالة النفسية للتلاميذ بعد انتشار هذا الوباء والتشديد على بقاءهم في المنازل بسبب الحجر الصحي؟
وما هي أهميّة إعطاء ندوات جماعيّة وإرشادات نفسيّة فرديّة من قبل أخصائيين في علم النفس؟ كما فعلت معظم دول العالم في مدارسها.
مدارس ما بعد جائحة كورونا لن تكون كسابقتها
هكذا نصف الوضع، حيث أنّه جديد على إدارة المدارس والمعلّمات كما الأهل والتلاميذ، والجميع يتعايش مع التغيّرات ويعمل على إعادة الوضع إلى طبيعته أو حتى التعايش والتطور بسبب الوضع. فالعادات التّي تغيّرت: تجنّب المصافحة، التخوّف من لمس أيّ شىء، والحرمان من التنزّه ومن اللعب مع الأصدقاء، ومن الزيارات العائليّة. والتغيّر الأكبر الذي أصاب التلاميذ الإبتعاد عن المزاج المدرسيّ وأصابهم بحالة خوف من الإصابة بالفيروس بمجرد الرجوع إلى المدرسة.
بسبب الوضع، ننسى التعامل مع الآخر ونبتعد عن العادات المنتظمة
وأكّدت الأخصائيّة في علم النفس، ناريمان جوهري حبلي، أنّ خلال الإغلاق العامّ وإقفال المدارس تأثرّت نفسية التلاميذ سلبيّا بعد أن تغيّرت العادات عليهم كالتفاعل الإجتماعي بين بعضهم البعض وكالفرض عليهم البقاء في المنزل طوال الوقت. فالتغيّر الذي طرق فجأة على العالم أدّى إلى اهتزاز نفسيّة الأطفال والأهل أيضا حيث يستصعبون طريقة التعامل مع أولادهم.
أما عن العودة إلى التعلّم الحضوريّ مع اتباع اجراءات ضد كورونا، قالت حبلي أنّ “بعد فتح المدارس في أواخر العام الدراسيّ في العام الماضي لم يعتاد التلاميذ على الإجراءات والتغيّرات الجديدة كما لم يفهموها خصوصا الأصغر سنّا مثل أنّ قناع الوجه هو خاصّ ولا يمكن استبداله بين بعضهم البعض. وزيادة الملاحظات لهم والتشديد على تصرفاتهم من قبل الأساتذة والنواظر فنتج حالة خوف لدى التلاميذ والتأثّر من هذا التغيّر بعد منعهم عن عاداتهم القديمة، مثل الجلوس إلى جانب بعضهم في الصفّ واللعب ألعاب مشتركة في الملعب كما تبادل المأكولات والأغراض.
لذلك أشارت الأخصائيّة إلى أنّ دور الأهل والأساتذة مهمّ جدا لبناء صحة نفسيّة سليمة لدى الأطفال، كما من المهمّ التعاون بين الأهل وأعضاء المدرسة لوضع استراتجية صحيحة منها:
- أن نشرح للأولاد ما معنى فيروس كورونا وأهمية وضع الكمامة طوال الوقت لتجنب العدوى ويجب من الكبار تطبيق الإجراءلت أمام أعين الأولاد لكي يطبقوها هم أيضا.
- كما من المهمّ زيادة الحصص الترفيهيّة والمسليّة للتلاميذ وعدم التركيز فقط على المواد الأكاديميّة.
- واقترحت الأخصائية في علم النفس، أن يجب على المدارس وضع أخصائي نفسي لأنّ الولد يعيش ضغوطات كثيرة والأهل أيضا يعانون من الضغوطات الحياتيّة والإقتصاديّة وتنعكس على تعاطيهم ومعاملتهم لأولادهم. لذلك مهمّ جدا دور الأخصائي النفسي من خلال القيام بإرشادات جماعيّة للتلاميذ من أجل التوعية والعمل على إراحة نفسيتهم، إلى جانب القيام بإرشادات فردية قليلة مع كلّ تلميذ لدراسة كل حالة ومعرفة ما يضايقه والعمل على التخلصّ من هذا الضيق وخصوصا أن الأطفال والمراهقين يرتاحون في التكلّم على انفراد.
- وأضافت من جهة أخرى، أنّ دور الأهل والأساتذة تجاه التلاميذ هو إعطائهم وقت وفسحة للتعبير عن حالتهم من خلال الرسم، التكلّم، المسرح وغيرها، كما يجب عليهم طرح أسئلة لهم عن إحساسهم ليعبّروا عنه من دون الكبت والإخفاء ولمنع ترسيخها فيهم لكي لا تخلق مشكلة لديهم مع تقدّم الوقت أو ينتج عنها ردود أفعال غير مرغوب بها في المجتمع، كما طرح سؤال عن آرائهم حول المواضيع لإعطائهم الثقة بأنفسهم ولتكوين شخصيتهم.
إذا، الأزمة الصحيّة “جائحة كورونا” التي طرقت على العالم واقع لا يمكن تغييره ويجب التعايش معه والبحث عن الحلول لكي نخفّف من الضغوطات النفسيّة والعاطفيّة والإجتماعيّة. ومن الضروريّ وعي أولياء المؤسسات التربوية تجاه الحالة النفسية لدى الأطفال والمراهقين والإنتباه إلى تصرفاتهم التي تترجم ما في داخلهم ، فهم أساس المجتمع وركيزته. كما من الضروري التواصل معهم والسؤال عن كيف هي حالاتهم وعدم تهميشهم وعدم زيادة ضغوطات إضافية خصوصا الفروض المدرسيّة والإمتحانات من ناحية المدرسة، وإجبارهم على الحصول على أعلى العلامات والحصول على المرتبة الأولى في الصفّ من ناحية الأهل.
هل العودة ما بعد كورونا ستكون سهلة؟
ولكن، إذا غداً أعلنت الصحة العالمية إنتهاء جائحة كورونا تماما في ليلة وضحاها كما جاءت، هل سيتمكّن الأطفال والمراهقون من العودة إلى حياتهم القديمة بسرعة؟ أو لن يستوعبوا بسهولة أنّ أصبح بإمكانهم نزع الكمامة، والجلوس إلى جانب بعضهم، واللعب والتنزه جماعيا وغيرها من ما يمنع عنهم حاليا؟
التعليقات (0)