لاجئون في مدرسة صور التقنية في لبنان، 19 تشرين الأول 2024
مصدر الصورة: واشنطن بوست
تتأثر المؤسسات التعلميّة بشكل مباشر بالأزمات والحروب، مما يضطرها إلى الإغلاق حفاظاً على سلامة الطلاب، وأولياء الأمور، والمعلمين والمعلمات. إلّا أنّ هذا الإغلاق، يعني توقّف التدريس الحضوري أو تعليقه لحين توضّح الصورة الأمنية. ولكن، هذا الوضع لم يمنع القطاع التعليمي في لبنان من إيجاد بدائل للاستمرار في التعليم على الرغم من الصعوبات، وهذا الأمر عاشه اللبنانيون في العديد من الأزمات، منذ الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975، والاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، مرورًا بحرب التحرير والإلغاء في العام 1990، وأخيراً أزمة كورونا في 2020. أما اليوم، في ظل استمرار التصعيد في لبنان، فإنهم يعيشونه مجدداً. في هذا المقال، سنستعرض البدائل التعليمية التي تم اللجوء إليها خلال الأزمات، رغم الصعوبات، وسنقيّم مدى فعاليتها من خلال تسليط الضوء على آراء المعلمين، والأهل، والطلاب..
بث الدروس عبر وسائل الإعلام خلال الحرب الأهلية اللبنانية
خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان في العام 1975 واستمرت لغاية العام 1990، تعرض التعليم في لبنان لتحديّات جسيمة، وتم إغلاق عدد كبير من مدارس لبنان، وتمكن عدد قليل منها بالاستمرار بالتعليم الحضوري في المناطق الأكثر أمانًا. هذا الوضع، أجبر القيمين على التعليم على إيجاد أشكالٍ جديدة من التعليم، فكان أبرزها بث الدروس عبر وسائل الإعلام. كان التلاميذ يصطفون أمام شاشة التلفاز في المنازل لمتابعة دروس الرياضيات، والعلوم، واللغة وغيرها ويدوّنون الملاحظات قدر المستطاع. ولكن، هل كان هذا البديل فعالًا ؟
تقول غادة أبي زيد، البالغة من العمر اليوم 59 عامًا أن: “الحرب بدأت عندما كان عمري 9 سنوات. كنّا نذهب إلى المدرسة بشكل متقطّع. فكانت تفتح المدرسة أبوابها لبعض الوقت، ثم تغلق عندما يشتدّ القصف. خلال هذه الفترة، كنت أتابع الدروس عبر تلفزيون لبنان، ولكن بشكل متقطع أيضاً بسبب انقطاع الكهرباء لفترات طويلة. كما كنا نختبئ في الملاجئ، حيث لا يوجد كهرباء ولا حتى تلفاز من أجل متابعة الدروس. لقد أخذت إفادة في البريفيه، وإفادة في الترمينال لأن القصف كان قوي حينها، (هذه الإفادة كانت تُعطى في الظروف الاستثنائية، مثل فترات الحرب أو الأزمات التي تعطل الدراسة.) ولم نتمكن من تقديم الامتحانات. كانت إفادة الترمينال مدتها سنتين، أي أنه يجب الدخول إلى الجامعة قبل مرور سنتين من أخذها. تمكنت من الدخول إلى الجامعة اللبنانية، ولكن التعليم كان أيضًا متقطعاً وأجبرت على التوقف عن الذهاب بسبب القصف الشديد. اليوم لا أعلم، وأعيش مع أهلي في المنزل.”
في السياق نفسه، تقول ديانا الخوري، البالغة من العمر 52 عامًا، والتي كانت تعيش في عاليه خلال الحرب الأهلية أن كافة المدارس كانت مقفلة، ولم يكن عندنا كهرباء ولا حتى تلفاز لمشاهدة الدروس، وأضافت: “كانت المدرسة تفتح لشهر أو شهرين خلال فترات وقف القصف، وكنا حينها نذهب إلى المدرسة ونأخذ دروس صفين. أذكر أنه في إحدى المرات تم دمج برنامج الـ6eme والـ5eme وأنهينا البرنامجين في 3 أشهر فقط. كنت أدرس في البيت كثيرًا لوحدي، ولكن بالطبع كان هناك الكثير من الأشياء الصعبة التي كانت بحاجة لشرح من المعلمين، والأمر كان صعبًا. في نهاية المطاف، أخذت إفادة، واستمرت الحياة. كل شيء يمر، مهما صعب، وتستمر الحياة. اليوم أنا متزوجة، وربة منزل”.
أما فبحسب أليسار جمال، البالغة من العمر اليوم 53 سنة، فقد عاشت الواقع نفسه خلال الحرب، وتقول: “كنت أذهب إلى المدرسة خلال فترات وفق القصف، وعندما يشتدّ القصف كنا نبقى في الملجئ الذي لا يحتوي على كهرباء. أخذت إفادة، ودخلت إلى الجامعة لدراسة التصميم، وأنهيت الجامعة خلال فترة الحرب، التحقت فيما بعد بسوق العمل ولا أزل أعمل في هذا المجال حتى اليوم”.
التعليم عن بُعد خلال انتشار جائحة كورونا
بدأ تسجيل أول حالات بفيروس كورونا في لبنان في شباط 2019، وبعد وقت قصير أخذت حالات الإصابة بالارتفاع بوتيرة سريعة. هذا الوضع، أدى بطبيعة الحال إلى إغلاق المدارس على كافة الأراضي اللبنانية، واللجوء إلى التعليم عن بعد الذي استمر قُرابة السنة والنصف. كيف كانت تجربة التعليم عن بعد بالنسبة إلى المعلمين، والأهل والتلاميذ؟
تقول لور مبارك، معلمة لغة عربية في إحدى المدارسة أن: “الانتقال من التعليم الحضوريّ إلى التعليم عن بعد كان تحدياً كبيراً لنا، فكان علينا تحويل كافة الدروس إلى Pdf، وطُلب منا في الكثير من الأحيان شرح الدرس على Power Point. هذا التحوّل أخذ الكثير من الوقت والجهد من المعلمين، والمعلمات وخاصة للأشخاص المتقدمين بالعمر فكانت التكنولوجيا أمرًا غريباً لهم، وجديداً للغاية. “لم يكن هذا التحدّي الوحيد، بل في الكثير من الأحيان خلال شرح الدرس كانت تنقطع الكهرباء، أو الانترنت عندي أو عند التلاميذ فيخرجون من الحصة. هذا عدا عن عدم التمكن من التفاعل بشكل جيد بيني وبينهم، فكنت مجبرة على وضع mute للتلاميذ خلال الشرح لتفادي الضجيج، فتعذّر على التلاميذ التفاعل معي كما ولو كنا في التعليم الحضوري. عند العودة إلى المدرسة من جديد، لاحظت أنا وسائر المعلمات أن التلاميذ كانوا يعانون من العديد من المشاكل، وكنا مجبرات في الكثير من الأحيان على إعادة شرح دروس السنة السابقة. أظن أن تجربة التعليم عن بعد لتلاميذي الذين كانوا في الثامنة من العمر، لم تكن تجربة ناجحة جدًّا، أما بحسب ما سمعت من معلمي الصفوف الأعلى، وخاصة البرفيه والترمينال، فإن التعليم عن بعد كان بديلاً مفيدًا لتجنب خسارة السنة الدراسيّة.”
في هذا السياق، تقول ستيفاني ف.، أم لطفلين توأم: “التعليم عن بُعد هو كابوس، وأتمنى ألا تتكرّر هذه التجربة أبدًا. لم يستفد أولادي التوأم من هذه التجربة. أنا أخصائية نطق (Orthophoniste) وأتعامل مع الصعوبات التعلمية، لذلك تمكنت من تعليم أطفالي بنفسي، وهذا ما ساعدهم على الاستمرار. ولكن، هناك أهل لم يتمكنوا من مواكبة أطفالهم. تجربة التعليم عن بعد لم تكن مجدية أبدًا! ربما لأولادي الذين كانوا في الـdouzième كانت تجربة صعبة، ولكن للأكبر سنّاً كانت أفضل. كما أنني واجهت صعوبة في تدريس طفلين أونلاين لأنهما توأم، فوضعت الدروس على شاشة التلفاز.”
في حال استمرار التصعيد في لبنان، هل سيكون التعليم عن بُعد هو البديل الأنسب؟
انطلق العام الدراسي 2024-2025 متعثّرًا! فما لبث أن عاد التلاميذ إلى صفوفهم خلال منتصف شهر أيلول حتى أجبروا على إخلائها من جديد بسبب ارتفاع وتيرة الاعتداء على لبنان. الوضع الآن حسب وزير التّربية والتّعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي : ” تأجيلُ بدءِ العامِ الدراسيِّ في المدارسِ الرسميّةِ كونها تستقبلُ النازحينَ من المناطق المتضررة . في حين سمحَ (وفق شروط ) هذا الأخير للمدارسِ الخاصةِ باعتمادِ التعليمِ الحضوريِّ في المناطقِ الآمنةِ، والتعليمِ عن بُعد في المناطقِ غير الآمنةِ.
هذه الخطة، حسب الوزير، تضع أولوية الحفاظ على سلامة الأطفال، فلا تعرّضهم لمخاطر الطرقات، أو الخوف والتوتر في حال حدوث شيء ما خلال التواجد في المدرسة. ولكن، في المقابل هناك الكثير من العقبات التي ستواجه التلاميذ، والأساتذة على حدّ سواء، وتكمن في عدم توفر الإمكانيات من إنترنت، وأجهزة كومبيوتر، وخاصة بالنسبة للأشخاص الذين تركوا منازلهم من دون أخذ أي شيء آخر. كما وأنها تخلق ثغرة كبيرة، وعدم مساواة ما بين التلاميذ الذين عادوا إلى صفوفهم، والتلاميذ الذين لا يزالون ينتظرون توضح الصورة الأمنية من أجل معرفة مصير عامهم الدراسي.
التعليقات (0)